سورة الشورى - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


قوله تعالى: {حم} قد سبق تفسيره المؤمن.
قوله تعالى: {عسق} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه قَسَمٌ أقسم اللهُ به، وهو من أسمائه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أنه حروف من أسماء؛ ثم فيه خمسة أقوال:
أحدها: أن العين عِلْم الله، والسين سناؤه، والقاف قُدرته، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال الحسن.
والثاني: أن العين فيها عذاب، والسين فيها مسخ، والقاف فيها قذف، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.
والثالث: أن الحاء من حرب، والميم من تحويل مُلك، والعين من عدوّ مقهور، والسين استئصال بسِنين كسِنيّ يوسف، والقاف من قُدرة الله في ملوك الأرض، قاله عطاء.
والرابع: أن العين من عالم، والسين من قُدُّوس، والقاف من قاهر، قاله سعيد بن جبير.
والخامس: أن العين من العزيز، والسين من السلام، والقاف من القادر، قاله السدي.
والثالث: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.
قوله تعالى: {كذلكَ يُوحِي إِليكَ} فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه كما أوحيتُ {حم عسق} إلى كلِّ نبيّ، كذلك نوحيها إليك، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: كذلك نوحي إليك أخبار الغيب كما أوحينا إلى مَنْ قَبْلَكَ، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثالث: أن {حم عسق} نزلت في أمر العذاب، فقيل: كذلك نُوحِي إليكَ أن العذاب نازلٌ بمن كذَّبك كما أوحينا ذلك إلى مَنْ كان قَبْلَكَ، قاله مقاتل.
والرابع: أن المعنى: هكذا نوحي إليكَ، قاله ابن جرير.
وقرأ ابن كثير: {يُوحَى} بضم الياء وفتح الحاء. كأنه إذا قيل: مَن يوحي؟ قيل: الله. وروى أبان عن عاصم: {نوحي} بالنون وكسر الحاء.
{تَكادُ السَّماوات يَتَفَطَّرْنَ} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة: {تكاد} بالتاء {يَتَفَطَّرْنَ} بياء وتاء مفتوحة وفتح الطاء وتشديدها. وقرأ نافع، والكسائي: {يكاد} بالياء {يَتَفَطِّرْنَ} مثل قراءة ابن كثير. وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: {تكاد} بالتاء {يَنْفَطِرْنَ} بالنون وكسر الطاء وتخفيفها، أي: يَتَشَقَّقْنَ {مِنْ فَوْقِهِنَّ} أي: من فوق الأَرضِين من عَظَمة الرحمن؛ وقيل: من قول المشركين: {اتخذ الله ولداً}. ونظيرها التي في [مريم: 90].
{والملائكةُ يسبِّحونَ بحمد ربِّهم} قال بعضهم: يصلُّون بأمر ربِّهم؛ وقال بعضهم: ينزِّهونه عمّا لا يجوز في صفته {ويَستغفرون لِمَنْ في الأرض} فيه قولان:
أحدهما: أنه أراد المؤمنين، قاله قتادة، والسدي.
والثاني: أنهم كانوا يستغفرون للمؤمنين، فلمّا ابتُليَ هاروت وماروت استغفروا لِمَن في الأرض.
ومعنى استغفارهم: سؤالهم الرِّزق لهم، قاله ابن السائب. وقد زعم قوم منهم مقاتل أن هذه الآية منسوخة بقوله: {ويَستغفرون للذين آمنوا} [غافر: 7] وليس بشيءٍ، لأنهم إنَّما يَستغفرون للمؤمنين دون الكفار، فلفظ هذه الآية عامّ، ومعناها خاصّ، ويدل على التخصيص قوله: {ويستغفرون للذين آمنوا} [غافر: 7] لأن الكافر لا يستحق أن يُستغفَر له.
قوله تعالى: {والذين اتَّخَذوا مَنْ دونه أولياءَ} يعني كفار مكة اتَّخَذوا آلهة فعبدوها من دونه {اللهُ حفيظٌ عليهم} أي: حافِظٌ لأعمالهم ليجازيَهم بها {وما أنت عليهم بوكيل} أي: لم نوكِّلْكَ بهم فتؤخَذَ بهم. وهذه الآية عند جمهور المفسرين منسوخة بآية السيف، ولا يصح.


قوله تعالى: {وكذلك} أي: ومثل ما ذكرنا {أوحينا إِليك قرآنا عربيّاً} ليفهموا مافيه {لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرى} يعني مكة، والمراد: أهلها، {وتُنْذِرَ يومَ الجَمْعِ} أي: وتُنذِرهم يوم الجمع، وهو يوم القيامة، يَجمع اللهُ فيه الأوَّلِين والآخرِين وأهل السموات والأرضِين {لا ريب فيه} أي: لا شكَّ في هذا الجمع أنه كائن، ثم بعد الجمع يتفرَّقون، وهو قوله: {فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير}.
ثم ذكر سبب افتراقهم فقال: {ولو شاءَ اللهُ لجعلهم أًمَّةً واحدةً} أي: على دين واحد، كقوله: {لَجَمَعَهُمْ على الهُدى} [الأنعام: 35] {ولكن يُدْخِلُ مَنْ يشاء في رحمته} أي: في دينه {والظّالمون} وهم الكافرون {مالهم من ولِيّ} يدفع عنهم العذاب {ولا نصيرٍ} يمنعهم منه.
{أمِ اتَّخَذوا مِنْ دُونِه} أي: بل اتخذ الكافرون من دون الله {أولياءَ} يعني آلهة يتولَّونهم {فاللهُ هو الوليُّ} أي: وليُّ أوليائه، فليتَّخذوه وليّاً دون الآلهة؛ وقال ابن عباس: وليُّك يا محمد ووليُّ من اتَّبعك.


قوله تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيءٍ} أي: من أمر الدِّين؛ وقيل: بل هو عامّ {فحُكمه إِلى الله} فيه قولان:
أحدهما: علمه عند الله.
والثاني: هو يحكُم فيه. قال مقاتل. وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن وآمن بعضهم، فقال الله: أنا الذي أحكُم فيه {ذلكم اللهُ} الذي يحكُم بين المختلفين هو {ربِّي عليه توكلت} في مهمّاتي {وإِليه أُنيب} أي: أرجِع في المَعاد.
{فاطرُ السموات} قد سبق بيانه [الأنعام: 14]، {جعل لكم من أنفُسكم} أي: من مِثل خَلْقكم {أزواجاً} نساءً {ومن الأنعام أزواجاً} أصنافاً ذكوراً وإناثاً، والمعنى أنه خلق لكم الذَّكر والأنثى من الحيوان كلِّه {يذرؤكم} فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: يخلُقكم، قاله السدي.
والثاني: يُعيِّشكم، قاله مقاتل.
والثالث: يكثِّركم، قاله الفراء. وفي قوله فيه قولان:
أحدهما: أنها على أصلها، قاله الأكثرون. فعلى هذا في هاء الكناية ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها ترجع إلى بطون الإناث وقد تقدم ذكر الأزواج، قاله زيد بن أسلم. فعلى هذا يكون المعنى: يخلُقكم في بطون النساء، وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة، فقال: يخلُقكم في الرَّحِم أو في الزَّوج، وقال ابن جرير: يخلُقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، ويعيِّشكم فيما جعل لكم من الأنعام.
والثاني: أنها ترجع إلى الأرض، قاله ابن زيد؛ فعلى هذا يكون المعنى: يذرؤكم فيما خلق من السموات والأرض.
والثالث: أنها ترجع إلى الجَعْل المذكور؛ ثم في معنى الكلام قولان:
أحدهما: يعيِّشكم فيما جعل من الأنعام، قاله مقاتل.
والثاني: يخلُقكم في هذا الوجه الذي ذكر مِنْ جَعْلِ الأزواج قاله الواحدي.
والقول الثاني: أن {فيه} بمعنى به؛ والمعنى يكثرِّكم بما جعل لكم، قاله الفراء والزجاج.
قوله تعالى: {ليس كمثِّله شيءٌ} قال ابن قتيبة: أي ليس كَهُوَ شيء، والعرب تُقيم المِثْلَ مُقام النَّفْس، فتقول: مِثْلي لا يُقال له هذا، أي: أنا لا يُقال لي هذا. وقال الزجاج: الكاف مؤكِّدة، والمعنى: ليس مِثْلَه شيءٌ، وما بعد هذا قد سبق بيانه [الزمر: 63] [الرعد: 26] إلى قوله: {شَرَعَ لكم} أي: بيَّن وأوضح {من الدِّين ما وصَّى به نُوحاً} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه تحليل الحلال وتحريم الحرام، قاله قتادة.
والثاني: تحريم الأخوات والأُمَّهات، قاله الحكم.
والثالث: التوحيد وترك الشِّرك.
قوله تعالى: {والذي أَوحينا إِليكَ} أي: من القرآن وشرائع الإِسلام قال الزجاج: المعنى: وشرع الذي أوحينا إليك وشرع لكم ما وصَّى به إبراهيم وموسى وعيسى وقوله: {أَن أَقيموا الدِّين} تفسير قوله: {ما وصَّينا به إِبراهيمَ وموسى وعيسى}، وجائز أن يكون تفسيراً ل {ما وصَّى به نوحاً} ولقوله: {والذي أَوحينا إِليك} ولقوله: {وما وصَّينا به إِبراهيم وموسى وعيسى}، فيكون المعنى: شرع لكم ولِمَن قبلكم إقامة الدِّين وترك الفُرقة، وشرع الاجتماع على اتِّباع الرُّسل وقال مقاتل: {أن أَقيموا الدِّين} يعني التوحيد {ولا تتفرَّقوا فيه} أي: لا تختلفوا {كَبُرَ على المشركين} أي: عَظُمَ على مشركي مكة {ما تَدْعوهم إِليه} يا محمد من التوحيد.
قوله تعالى: {اللهُ يَجتبي إِليه} أي: يَصطفي من عباده لِدِينه {مَنْ يَشاءُ ويَهدي} إِلى دِينه {من يُنيبُ} أي: يَرجع إِلى طاعته.
ثم ذكر افتراقهم بعد أن أوصاهم بترك الفُرقة، فقال: {وما تفرَّقوا} يعني أهل الكتاب {إلاَّ مِنَ بَعْدِ ما جاءهم العِلْمُ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: من بعد كثرة عِلْمهم للبغي.
والثاني: من بعد أن علموا أن الفُرقة ضلال.
والثالث: من بعد ما جاءهم القرآن، بغياً منهم على محمد صلى الله عليه وسلم.
{ولولا كلمةٌ سَبَقَتْ مِنْ ربِّك} في تأخير المكذِّبين من هذه الأُمَّة إلى يوم القيامة، {لَقُضِيَ بينَهم} بإنزال العذاب على المكذِّبين {وإِنَّ الذين أًورثوا الكتاب} يعني اليهود والنصارى {مِنْ بعدِهم} أي: من بعد أنبيائهم {لفي شكٍّ منه} أي: من محمد صلى الله عليه وسلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5